«ضاجعتُ مئاتِ الرجال، ولم أصل يوماً إلى النشوة، أصبح الجنس عملاً روتينياً مبتذلاً للغاية»، هذا ما قالته ماريا بطلة رواية «إحدى عشرة دقيقة»، وهي فتاة فقيرة سافرت من البرازيل إلى سويسرا لتؤجر جسدها للأثرياء.
وكالعادة كي تكتب عمّا يجري في سورية، عليك أن تقرأ أولاً ما جرى في البرازيل.
من الجحيم.. إلى الجحيم
في مدينة جرمانا قرب دمشق، فتاة أخرى «ليست برازيلية هذه المرة»، ولم تذهب إلى «جنيف»، هي فتاة عشرينية فقدت أفراد أسرتها بقصف على منزلها بالغوطة الشرقية، ونزحت بصعوبة إلى جرمانا.
أمل كما تحب أن نناديها، خرجت «عذراء» من الجحيم، ووجدت نفسها بلا مأوى في جحيم آخر، وسط مدينة مكتظة بأكثر من مليون نازح، فمزقت الحرب عذريتها كما مزقّت بلاداً بأكملها، وأثناء بحثها عن عمل كانت صيداً سهلاً لأحد القوّادين، الذي أقنعها بالعمل في إحدى شقق الدعارة.
ترفض أمل كلمة «عاهرة»، وتقول إن العالم الذي أوصلها إلى هنا هو العاهر، «هذا مجرد عمل لتأمين أجرة المنزل، ومصاريف الحياة التي أصبحت فوق طاقة الجميع، أنا لا أمارس الجنس من أجل المتعة»، تحلم أمل بزواج هادئ، وتعيش على أمل الدخول إلى كلية الحقوق.
«لاس فيغاس دمشق»
وتؤكد المصادر وجود نحو 200 منزل في جرمانا تنشط في مجال الدعارة، ويعمل في كل منها خمس نساء وسطياً، وتقدم «لاس فيغاس دمشق» خدمات جنسية رخيصة قياساً بالبيوت المنتشرة في أحياء العاصمة الراقية.
ومعظم النسوة في هذه البيوت مطلقات وأرامل وهاربات من بؤر التوتر في المحافظات السورية، ويبحث القوّاد عن بضاعته أمام الجمعيات الخيرية ومراكز الإيواء، ويختار النساء الجميلات والفتيات الصغيرات ويغريهن بالمال للعمل معه في مجال الدعارة، ويتم إجبار النسوة على توقيع عقود إيجار نظامية لهذه البيوت كي يتهرب القوّاد من المسؤولية.
وتتألف «شركة» الدعارة عادة من «قوّاد» يجري الصفقات، و«باترونة» تنظم العمل في المنزل، و«سائق تاكسي» يجلب الزبائن، وتقدم هذه البيوت عادة خدمات أخرى كالحشيش والمخدرات.
أما الخدمات الجنسية في هذه البيوت تتراوح تكلفتها بين خمسة آلاف ليرة (10 دولارات)، وخمسون ألف ليرة (100دولار) للساعة الواحدة، وتختلف التسعيرة تبعاً لجمال الفتاة، ونوعية الخدمات والممارسات الجنسية.
ليست رفاهية
رواية واقعية أخرى بطلتها عبير، التي حاصرتها الحياة في المدينة الجامعية بدمشق، كما تحاصر «الدولة الإسلامية» أهلها في حي الثورة بالرقة شمال سورية، تقول عبير «اسم مستعار» إنها تمارس الجنس مقابل المال، تخرج بشكل شبه يومي إلى «العمل»، وتعود في الصباح إلى الجامعة لتمارس حياتها الطبيعية كطالبة في «كلية الآداب».
ترفض عبير صفة «بائعة هوى»، وتبرر عملها بالظروف، تقول إن ما تقوم به ليس ضرباً من الرفاهية، لكنها تؤمن مصروف الجامعة وأساسيات الحياة، وتحلم عبير بالحصول على عمل لائق بعد التخرج من الجامعة، وترغب بالزواج وتكوين أسرة.
55 ألف شقة!
يؤكد وزير الاقتصاد السوري السابق محمد نضال الشعار وجود أكثر من 55 ألف شقة تحتضن مهنة الدعارة في سوريا، ولكن البعض اتهمه بالمبالغة، لأنه يعني أن موارد «بيع الهوى» في سوريا تزيد قليلاً عن موارد شركات الاتصالات.
المصادر أكدت أن السلطات السورية ألقت القبض على 300 عصابة تعمل في الدعارة خلال سنوات الحرب، كما دخلت ألف إمرأة إلى سجن النساء بتهمة ممارسة البغاء.
استراحة محارب
تعمل سميرة «اسم مستعار» مع ابنتها في مجال الدعارة، وتقول بأن الفضل في مزاولتها لهذه المهنة يعود لزوجها المتوفى، وتمارس سميرة «المهنة» مع ابنتها في شقة بحي التجارة شرق دمشق، وتقول إن زبائنها أصبحوا محليين بسبب تدهور السياحة الجنسية الخليجية، وتكشف أن بعض زوّارها من عليّة القوم، وبعض المتنفذين وترى سميرة أن هؤلاء بحاجة أيضاً إلى «استراحة محارب».
ترخيص الدعارة
ويرى البعض أن الدعارة إحدى المفرزات الطبيعية للحرب المجنونة التي قتلت وشرّدت ملايين السوريين، وجعلت 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر، وحتى مطلع الستينات كانت هذه المهنة مرخصة في القانون السوري، وبعد ذلك أصبحت جريمة عقوبتها السجن حتى خمس سنوات، مع غرامات مالية.
ويتساءل البعض ما هو المانع من إشراف الحكومة على هذه المهنة التي تعتبر الأقدم في البشرية، ولماذا لا ترخّص لهذه البيوت التي يمكن أن تدرّ الملايين على خزينة الدولة؟، ويطالب هؤلاء الحكومة بمراقبة بيوت الدعارة صحياً، لمنع انتشار الأمراض الجنسية القاتلة.
هروب من الواقع
يقول «باولو كويلو» كاتب رواية «إحدى عشرة دقيقة» إن "العاهرة ككل الفتيات، ولدت عذراء بريئة، وكانت تحلم بارتداء ثوب الزفاف"، ومعظم العاهرات في روايته كنّ قريبات من الله.
أما ماريا بطلة الرواية تقول إن الرجال الذين ضاجعوها كانوا يتعذبون أيضاً، ولم تكن وحدها الضحية، فهؤلاء كانوا يعانون من اليأس ويحاولون الهروب من الواقع عن طريق الجنس.
وطرحت ماريا في ختام مذكراتها السؤال الأكثر وجودية: «هل فكرت يوماً أن العاهرات قادرات على الحب؟».